top of page

عدت اليوم للبيت بعد يوم طويل حضرته مستمعا للمحاضرات التي قدمها متخصصين في الأورام كجزء من التحضير لإختبار الزمالة في طب الأورام. لن أكتُب عن المحاضرات العلمية التي قُدمت ولكن سأكتب وأتحدث هنا عن المتحدث الأخير الذي تم إختتام محاضرات اليوم بحدِيثه

 

كان المتحدث الأخير هو د.فرانسيس وردن، والذي يعمل بروفيسور في طب الأورام في جامعة ميشيقن الأمريكية. حديثه كان مختلف! والسبب هو أننا إعتدنَا بأن يقدّم شخص نفسه (أو يقدّمه غيره) فتراه يتحدث في أغلب الأحيان عن إنجازاته العلمية والمهنية ولكن ما حدث كان شيء مختلف عن المعتاد

 

على الرغم أنه كان باستطاعته أن يقول أنني اعمل بروفيسور في طب الأورام في جامعة تعتبر من أرقى الجامعات العالمية والتي خرّجت أشخاص مثل مؤسس شركة قوقل المعروفة، لاري بيج، أو كان بإمكانه قَوْل بأنَّه مؤلف وكاتب لأحد الفصول في أَشهر الكتب في طب الأورام  أو كان باستطاعته أن يقول أنه كاتب في المرجع الوطني الأمريكي للأورام الطبية

الغريب أنه بدأ بتعريف نفسه بأنه يعاني مع الإختبارات الطبية! بالذات مع إجتياز إختبار الزمالة في تخصص الأورام وبدأ بمشاركة الحضور نتيجتُه عندما فشل في إجتياز إختبار تخصص الأورام (البورد الأمريكي في الأورام) وكيف أنه قم بإعادة الإختبار وفشل مره أخرى إلى درجه أنه فكّر في رفع دعوى على الجهة المنظمة للإختبار! ولكن زوجته أثنته عن عمل ذلك لأنها موقنه انه سيخسر الدعوى! وشرح كيف أنه تجاوز هذا الإختبار بدرجة أعلى بقليل من درجة الرسوب في هذا الإختبار! كانت محاضرته تدور حول كيف تتجاوز هذا الإختبار الذي في وجهة نظره يعتبره شيء شبه معقّد

ماذا يستفيد من القصة أعلاه؟

أحببت أن أعلق عن هذه القصة لكي يفهم المتدرّب في طب الأورام (أو حتى في أي تخصص آخر!) أن أحد أكبر الأخطاء التي قد يقع فيها المتدرب قد يكون اعتقاده أن كل من سبقه من الإستشاريين (والأساتذة) في هذا التخصص هم عباقرة لا يُخطئون ولا يفشلون (بل قد ينظر لهم البعض على أنهم بشر خارِقون للعادَة!) هذه النظرة المغلوطة تبرر للمتدرّب بشكل لا شعوري أن لا يستنفد الأسباب في الجد والإجتهاد والعمل بما يستطيعه بتدرّج وبواقعية. لأن هذه النظرة تقول لصاحبها: أنت بشر! ولا تستطيع أن تعمل شيء مشابه أو حتى قريب مما قام به غيرُك من الخبراء لأنهم ليسوا ببشرٍ عاديين

 

لطالما قلت (ولا زلت) أقول لزملائي: لا تقارن بداياتك بنهايات غيرك..ولا تقارن بذور للتو تريد أن تزرعها بثمار عمل قام به غيرك. أكبر إجحافٍ قد توجّههُ لنفسك هو أن تعاملها على أنها ليست نفسك! أنت شخص فريد، قد يكون هناك من هو أفضل منك، لكن لا يوجد شخص مثيل لك

إلى زملائي المتدربين في تخصص الأورام (وغيره من التخصصات) أود أن أقول

١- لا تجعل كمية المعلومات في تخصصنا تثبّطك، صدقني، كل من قابلوك (وكل من ستلتقي بهم) لا يحفظون كل ما هو مكتوب. بل بالعكس، الطبيب الأكثر أمانًا على مرضاه هو طبيب يعرف كيف يبحث عن المعلومة الصحيحة وينتقدها ويعرف كيف يوظفها لخدمة مريضه. وإذا وجدت طبيب يدّعي أنهُ الحافظ العارف الذي لا يحتاج العودة للمراجع والأبحاث فيجب أن تتعامل معه بشيء من الحذر لأنه قدّم كبريائِه على حرصه بالبحث عن ما هو مفيد لمريضه

-٢- لا تجعل أي إخفاق يكون مبرر لك في عدم الإستمرار وتذكر أن أكثر الناس يستسلمون عندما يكونوا قريبين للنجاح! ولطالما قلت لزملائي: نحن نفشل عندما نتوقف عن المحاولة وطالما نكونُ مستمرين في المحاولة فنحن بخير

٣- المرونة قوة. أنت شخص فريد، لك طريقتك في الدراسة والعمل والتعلّم، استفد من غيرك وقم  بصناعة نجاح خاص بك يرضي ضميرك وطموحاتِك الخاصَّةِ بك. إستخدم التحديات والإخفاقات كأدوات تساعدك على النجاح والمضي قدما في هذا التخصص

٤- تنبّه جيّدا لروتين يومك، فالنجاح هو وليد روتين صحي ومنتج وفعّال، الأكثر نجاحا هم من يتبنون عادات إيجابية تنعكس على يومهم وتثمر مع مرور الأيام. بكل بساطة. لذلك تنبه وصحّح من عاداتك اليوميّة وستتفاجأ بأنّ النتائج ستتغير وستصل لنتائج كنت تراها شبه مستحيلة وتذكر: قليل مستمر خير من كثير منقطع

White Washed Wood

نحن نفشل فقط عندما نتوقف عن المحاولة

وأخيرا، أود أن اختم بما ختم به المتحدث عندما استشهد بالإقتباس

 

"Success is not final; failure is not fatal: it is the courage to continue that counts." 

كتبه: د.عبدالرحمن اللغبي

طبيب زمالة الأورام بجامعة وين ستيت الأمريكية

تم النشر في ٢٩ أغسطس ٢٠٢١

  • Twitter
bottom of page